تبدو "تنغير" من بعيد مثل امرأة لقنتها الحياة حكمة الصمت..
مستكينة وسط امتداد وهدوء الصحراء، تغري زائرها بسبر أغوارها وكشف شفراتها حتى تلك التي يخالها عصية عن الحل!.
لا يمكنك أن تأتي إلى تنغير دون أن تحمل معك، في قلبك، وأنت تودعها حباً جماً لهذه المدينة، طيبة وسعة صدر أهلها، جمالها الساحر وواحاتها الممتدة..
كل شيء يدعوك لأن تحبها أكثر.
قيل الكثير عن أصل تسمية "تنغير"، غير أن أبناءها يصرون على أن الاسم منسوب إلى جبل "إيغير" الموجود في المدينة، وكلمة "إيغير" باللغة الأمازيغية تعني الكتف، والذي يمعن النظر جيداً يجد أن هذا الجبل يشبه الكتف فعلاً!
المؤرخ حسن الوزان المعروف بليون الإفريقي، كتب عن هذه المدينة كما فعل الكثير من الكتاب الغربيون الذين أكدوا أن عمرها يناهز 3000 سنة، خاصة وأن الحفريات أثبتت أن أقدم منجم للفضة بإفريقيا يوجد "بـإيميدر" حيث عثر على آليات عتيقة استعملت في عملية التنقيب عن هذا المعدن واستغلاله.
قبل دخول الإسلام كان أهل المدينة يعتنقون اليهودية إلى جانب معتقدات أخرى، وقد تم العثور على أول وثيقة يهودية دونت بالأمازيغية وبالأحرف اللاتينية عام 1892م، وتدعى "الهاگادا دوبيصاح" وهي واحدة من أشهر تعاليم الديانة اليهودية، تم أيضاً سك أول عملة على عهد الدولة الإدريسية في هذه المنطقة.
عرفت تنغير مقاومة شرسة ضد الاستعمار في جبال "صغرو" حيث اشتهرت شخصية "زايد أحمد" المعروف بتصديه للفرنسيين ما بين سنتي 1934 و1936م، وقبله اشتهر "سيدي مسكور" و"سيدي عبد الكريم" بمقاومتهما للاستعمار البرتغالي، ومايزال أبناء المدينة يمجدون دور هذين المقاومين في مناسبة عيد المولد النبوي، حيث يطوف الشباب، ممتطين جيادهم، حول ضريحيهما ويطلقون الفلين من مسدسات مخصصة لهذه المناسبة، تعبيراً عن إحياء الذاكرة الجماعية والاعتزاز بالدور الذي لعبته هاتين الشخصيتين في تاريخ المنطقة.
تعد تنغير من أهم المواقع السياحية في المغرب، إذ أصبحت في الآونة الأخيرة قبلة للسياح الأجانب الذين يفدون إليها من كل صوب للاستمتاع بجمالها الطبيعي وإرثها الثقافي، ولعل أشهر المواقع الموجودة هناك مضايق "تودغة" وواحة "تنغير" بنخيلها الشامخ وبحيرة "السمكة المقدسة"، إلى جانب القصبات والدور التي يعود تاريخ بعضها إلى عام 1630م.
معظم ساكنة تنغير يتحدثون الأمازيغية، أما إيقاع الحياة هناك فبسيط وسلس، كما أن العلاقات الاجتماعية تتسم بروح التضامن، ذلك أن "تويزا" كنمط لتدبير الأراضي الفلاحية مايزال قائماً هناك.
تلعب المرأة دوراً أساسياً في بنية الأسرة والمجتمع على حد سواء، والعنف ضدها يبقى من باب الاستثناءات، إذ أن حالات الاعتداء على النساء تبقى قليلة جداً مقارنة مع الوضع في مناطق ومدن أخرى، والذي يتجرأ على تعنيف المرأة يُنظر إليه بنوع من الازدراء ويصبح محل عدم ثقة، بل يتم تهميشه في أحيان كثيرة.
طريقة لباس النساء تختلف إلى حد كبير عما عليه الأمر في مدن مجاورة كالراشيدية والريصاني، حيث تبدو معظم النساء متشحات بالسواد، أما ألوان الزي التقليدي للسيدات في تنغير فتعكس الفرح والبهجة، كما أنهن يستمتعن بالرقص إلى جانب الرجال في رقصة "أحيدوس" الشهيرة، بل يبارزنهم في رقصة معروفة تبدأ مع أول الليل لتنتهي مع مطلع الفجر، وهي عبارة عن أخذ ورد في الأشعار المغناة، يحاول الرجال التفوق فيها على النساء والعكس صحيح، والفريق الذي لا يقوى على الاستمرار في هذه المبارزة الكلامية يصيح مخاطباً نده بالأمازيغية:
- "إرَّز أقشُّورنون"! (لقد كُسرت قشرتك)!.
وهو تعبير يقصد به إعلان النصر نكاية بالفريق المهزوم!